الثلاثاء، 23 يونيو 2009

رحلة الى العيون عاصمة الصحراء المغربية



عندما تفتحت العيون في العيون

موسى عساف




لم تكن رحلة مدينة العيون عاصمة الصحراء المغربية،‮ ‬رحلة عادية بكل المقاييس،‮ ‬فقد‮ ‬يتبادر إلى الذهن أن الزيارة التي‮ ‬ستكون إلى مضارب البدو المنتشرين في‮ ‬طول الصحراء وعرضها،‮ ‬أو إلى مدن من الصفيح‮ ‬يسكنها أناس‮ ‬ينهشهم الفقر والبؤس،‮ ‬أو كما‮ ‬يتم تصويره في‮ ‬بعض وسائل الإعلام أن الرحلة ستكون إلى ثكنات للجيش ومعتقلات للمعارضة‮.‬ كل ذلك تبدى من المخيلة عندما أعلن قبطان الطائرة التي‮ ‬أقلتني،‮ ‬والوفد الصحافي‮ ‬البحريني،‮ ‬عن الاستعداد للهبوط في‮ ‬مطار مدينة العيون،‮ ‬عاصمة الأقاليم الجنوبية في‮ ‬المغرب،‮ ‬حيث‮ ‬يقابلك مطار منسق ذو خدمات ممتازة وإن بدا صغيراً‮ ‬نسبياً،‮ ‬لتكتشف بعد ذلك أن كل ما حملته المخيلة وما تتناقله بعض وسائل الإعلام ليس سوى ضرب من ضروب المبالغة بهدف النيل من استقرار جناح الأمة العربية الغربي،‮ ‬ولأهداف الله وحده أعلم بها‮.‬ مدينة العيون أو الساقية الحمراء‮ -‬حسب الاسم المحلي‮- ‬مدينة تأسرك منذ اللحظات الأولى،‮ ‬إذ‮ ‬يختلط فيه كل ما‮ ‬يمكن أن تتصوره،‮ ‬فبجانب الأزياء الغربية التي‮ ‬يرتديها شباب وفتيات المدينة ترى‮ ''‬الملحفة والدراعة‮'' ‬الصحراوية رمزاً‮ ‬للانتماء العروبي‮ ‬الذي‮ ‬لم‮ ‬يفارق ساكني‮ ‬الصحراء،‮ ‬هذا إلى جانب مبانيها الحديثة وشوارعها الواسعة التي‮ ‬تحاكي‮ ‬شوارع كبرى المدن العالمية من حيث التنظيم والنظافة‮.‬ مدينة العيون لا تبخل على زائريها بتراثها الصحراوي‮ ‬الأصيل،‮ ‬إذ إن كوب الشاي‮ ‬المغربي‮ ‬يطالعك أينما حللت،‮ ‬وكأنه رسول الصحراء إلى العالم ليؤكد على أصالة هذه الأرض وطيبة ذاك الشعب،‮ ‬وبينما ترتشف كوب الشاب لا بد أن‮ ‬يتسلل إلى مسامعك أصوات الغناء‮ ''‬الحساني‮'' ‬الأصيل،‮ ‬ربما تفوتك كلمات لا تفهم معناها ولكن الانسجام مع الموسيقى واللحن ورائحة الشاي‮ ‬يدفعك إلى مزيد من النشوة لتطير بك إلى عالم من السحر والخيال لا‮ ‬يتحقق إلى في‮ ''‬العيون‮''.‬ جولات كثيرة‮ ‬يمكن أن تقوم بها،‮ ‬ليس أولها على الإطلاق شاطئ‮ ''‬فم الوادي‮'' ‬الذي‮ ‬يكتظ بالمئات وربما بالآلاف من أبناء الصحراء في‮ ‬صورة فريدة من نوعها تتكرر كثيراً‮ ‬في‮ ‬الصحراء،‮ ‬الاختلاط والتجانس الفريد بين كل الأشكال والألوان والأزياء دون حساسية من‮ ‬غريب أو قريب،‮ ‬فالكل في‮ ‬الصحراء أهل ولا تفريق بين شخص وآخر و‮''‬كأس الشاي‮ ‬يمكن لك أن تشربه في‮ ‬كل مكان‮'' ‬حسب ما قال لي‮ ‬مرافقنا‮ ''‬سالك‮'' ‬ابن الصحراء،‮ ‬الذي‮ ‬فضل العمل في‮ ‬العيون على العاصمة لأنه وحسب قوله‮ ‬يشعر في‮ ‬الصحراء‮ ''‬بالحرية والانطلاق كالنسر المحلق‮''‬،‮ ‬كل شيء هنا‮ -‬والقول لسالك‮- ‬يدفعك إلى الانطلاق،‮ ‬ويضيف‮ ''‬حياتنا بسيطة للغاية،‮ ‬ويتوفر كل شيء لنا من مدارس ومعاهد ومستشفيات وخدمات حكومية،‮ ‬ربما تفوق في‮ ‬جودتها ما تقدمه الحكومة لسكان العاصمة أو المناطق الشمالية من البلاد‮''.‬ ولأشعر بالمكان عن قرب فقد خرجت في‮ ‬أكثر من جولة منفرداً‮ ‬لأقابل الناس العاديين كما هم في‮ ‬المقهى والتاكسي‮ ‬وصالون الحلاقة‮...‬،‮ ‬أناس لا‮ ‬يحملون إلا أخلاق الصحراء العربية الأصيلة،‮ ‬حيث النخوة والكرم والشجاعة،‮ ‬وأهم من ذلك كله الانتماء والإخلاص الوطني‮ ‬المبنى على أسس عقائدية وفكرية فطرية لا‮ ‬يمكن التفريط بها أو التنازل عنها،‮ ‬وعلى رأسها على الإطلاق وحدة التراب والوطن في‮ ‬ظل الدولة‮.‬ أما ماذا تعني‮ ‬لهم الحركة المسلحة والتي‮ ‬تطالب بانفصال الصحراء في‮ ‬دولة مستقلة،‮ ‬فقد رأيت شبه إجماع على أن الوطن واحد ولا‮ ‬يمكن تقسيمه،‮ ‬أما بالنسبة لحركة البوليساروا فلم‮ ‬يخفوا أنهم أبناؤهم وإخوانهم وعشيرتهم،‮ ‬ولكن ابتعدوا عن الطريق الصحيح ولا بد أنهم عائدون لا محالة،‮ ‬لأنه وكما قال الملك الراحل الحسن الثاني‮ ''‬إن الوطن‮ ‬غفور رحيم‮''‬،‮ ‬ولهذا فقد أقامت الحكومة مدينة الوفاق وهي‮ ‬مخصصة للعائدين من البوليساريو،‮ ‬حيث‮ ‬يتم تسكينهم في‮ ‬بيوت خاصة بهم وإعطائهم مبلغاً‮ ‬من المال إضافة إلى تأمينهم في‮ ‬وظيفة محترمة ودون أدنى مساءلة من الحكومة أو الجهات الأمنية‮.‬ هكذا هو الوطن‮.. ‬دائماً‮ ‬كبير بعطائه وتضحياته وكرمه،‮ ‬ولكن الأهم أن نقدر نحن هذا العطاء وتلك التضحيات،‮ ‬لأننا لو عرفنا لما كفانا أن تكون أرواحنا وقلوبنا وأبناؤنا وأموالنا فداءً‮ ‬له‮.. ‬فهو الوطن الكبير الذي‮ ‬يضم الجميع،‮ ‬كما الأم تحنو على صغارها وتمنع عنهم الضيم والظلم‮..‬ ‮.. ‬وللحديث بقية‮..‬ من أسرة‮ »‬الوطن‮«‬

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق