الجمعة، 10 ديسمبر 2010

مشروع الحكم الذاتي بالصحراء "يتماشى مع المعايير الدولية" المعمول بها في هذا المجال


ميكسيكو- أكد رجال قانون مغاربة خلال عشاء مناقشة نظم مساء أمس الأربعاء بمكسيكو ، أن مشروع الحكم الذاتي بجهة الصحراء الذي تقدم به المغرب في أبريل سنة 2007 يتماشى مع المعايير الدولية والتجارب الاخرى في مجال الحكم الذاتي على المستوى العالمي.

ونظم اللقاء الذي جمع حوالي ستين رجل قانون قدموا من مختلف دول العالم بمبادرة من قبل سفارة المغرب بالمكسيك والجمعية المغربية للقانون الدستوري حول موضوع "الدولة، الدستور والحكم الذاتي الجهوي: نموذج المبادرة المغربية بمنح حكم ذاتي للصحراء".

وأكد رجال القانون المغاربة أن مشروع الحكم الذاتي يتجاوز، في بعض جوانبه، التجارب الدولية في مجال الحكم الذاتي الجهوي كما هو الشأن مثلا بالنسبة لتلك المعمول بها في إسبانيا والبرتغال وإيطاليا والدانمارك.

وفي هذا السياق، أبرزت السيدة أمينة المسعودي الاستاذة بكلية الحقوق- أكدال بالرباط، أن المبادرة المغربية ، ضمن فصولها الثلاثة الكبرى ، أبدعت على أكثر من مستوى (تقاسم الاختصاصات، وتقاسم الموارد، والمراقبة).

وأشارت في هذا الإطار إلى تخويل جهة الصحراء اختصاصات في سبع مجالات تهم الإدارة المحلية، والتنمية الاقتصادية وميزانية الجهة ونظامها الجبائي، والبنيات التحتية، والتنمية الثقافية، والبيئة وغيرها )، في حين احتفظت الدولة المغربية باختصاصات حصرية، في أربع مجالات فقط ترتبط أساسا بمقومات السيادة.

وسجلت السيدة المسعودي أن المشروع المغربي لا يحترم المعايير الدولية فقط، ولكنه تجاوز بعض التجارب الدولية، بالنظر إلى الاختصاصات الديبلوماسية المخولة في نص المشروع لجهة الصحراء والتي تهم هذه االاراضي بشكل مباشر.

وبخصوص تقاسم الموارد، أبرزت السيدة المسعودي أن النص المغربي يقترح أنه توفير الموارد المالية الضرورية لتنمية الجهة في كافة المجالات، مضيفة أن المشروع المغربي يتجاوز، هنا أيضا، المعايير الدولية والمبادئ العامة التي تتعلق بتقاسم الموارد بين الهيئات المختصة لجهة الحكم الذاتي والدولة المركزية.

وفي معرض حديثها عن مراقبة تقاسم الاختصاصات بين المركز والجهة، أشارت السيدة المسعودي الى المحكمة العليا الجهوية التي سيتم إحداثها مستقبلا والتي ستتولى البت انتهائيا في قرارات الهيئات المختصة لجهة الحكم الذاتي بالصحراء.

وحسب السيدة المسعودي، فإن الضمانة الدستورية لنظام الحكم الذاتي تشكل وجها آخرا يؤكد مطابقة مشروع الحكم الذاتي للمعايير الدولية، مبرزة أنه "بمجرد المصادقة على هذا المشروع، فإن الدستور المغربي ستتم مراجعته وأن نظام الحكم الذاتي سيدرج بالتالي في وثيقة الدستور ".

من جانبها، ذكرت السيدة نادية برنوصي، الأستاذة بالمدرسة الوطنية للإدارة بالرباط، التي كانت تدير النقاش، بسياق تقديم المشروع المغربي ، مبرزة "مسلسل الانفتاح والتحديث والدمقرطة" الذي يعرفه المغرب منذ اعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس.

واستعرضت السيدة برنوصي مشاريع الإصلاحات المهيكلة التي عرفتها المملكة، خاصة اعتماد كوطا بالنسبة للنساء في الانتخابات، والتصديق على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحماية حقوق الإنسان وإنشاء محاكم حديثة ومؤسسة ديوان المظالم، ومدونة الأسرة، ومسلسل العدالة الانتقالية وكذا المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.

وأكدت الأكاديمية المغربية أن "هذه الانجازات بالغة الأهمية على اعتبار أنها تمت في إطار محيط إقليمي يتسم بالعدائية ويميل إما إلى التطرف أو إلى الترويج إلى شكل من أشكال الاستبداد".

وأوضحت أن المغرب اقترح في هذا السياق بالضبط، مخططا للحكم الذاتي بجهة الصحراء يتوخى، حسب السيدة برنوصي تحقيق ثلاثة أهداف تتمثل في كون المغرب اختار جهوية موسعة لانه يريد تجديد هياكل الدولة، وإرساء سياسات عمومية ترابية ، ثم إيجاد حل سياسي لنزاعٍ، يكون مطابقا للشرعية الدولية.

من جهته، أكد السيد محمد مدني الأستاذ بكلية الحقوق أكدال بالرباط ، أن مشروع الحكم الذاتي يندرج في أفق تاريخي يتميز باسترجاع، وبشكل تدريجي، لأجزاء مهمة من أراضيه منذ الاستقلال إلى غاية سنة 1975، ملاحظا أنه لا زال هناك ثغران محتلان إلى غاية اليوم من قبل اسبانيا هما سبتة ومليلية.

وفي ما يتعلق بالمبادرة المغربية، أكد السيد مدني أن الأمر يتعلق بمبادرة خلاقة على مستويي المقاربة والمحتوى.

فعلى مستوى المقاربة، سطر المشروع المغربي الخطوط العريضة للحل، دون الدخول في تفاصيل نظام الحكم الذاتي ويقترح حلا غير مغلق يتعين إغناؤه من طرف باقي الأطراف.

إن الأمر لا يتعلق بحيلة للدولة تروم التخلي عن بعض وظائفها غير ذات جدوى كما لا يتعلق الامر بحيلة تروم التغاضي عن الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة، ان المبادرة تندرج بشكل مباشر، ضمن الجهود والعمل الذي تقوم به الأمم المتحدة".

أما على مستوى المضمون، فتستجيب المعايير الأساسية لهذا المشروع إلى هاجس الخصوصيات السوسيو-ثقافية للمنطقة، وهاجس الكونية لكي تتماشى مبادرة الحكم الذاتي مع المعايير الدولية المعتمدة في المجال.

وأبرز المتدخل، على الخصوص، المستجدات التي أتى بها النص المغربي والمرتبطة، أساسا، بإدراج الاقتراع العام وبتمثيلية النساء، التي تندرج في صلب روح مدونة الأسرة الجديدة.

وأوضح السيد عبد العزيز المغاري، أستاذ بكلية الحقوق الرباط-أكدال ورئيس الجمعية المغربية للقانون الدستوري، في مداخلته، أن المشروع المغربي يروم أن يكون "وطنية ديموقراطية" مغربية، وهو تصور جديد سيشكل علامة فارقة في التاريخ، حسب منشطة هذا اللقاء.

وفي ظل هذا الاختيار الخلاق، "قام المغرب بتكييف وحدته الترابية وفق مبدأ عدم المساس بالحدود الموروثة عن الاستعمار، حيث جنح، من خلال الحكم الذاتي في الصحراء، إلى الخيار السياسي عبر جعل وحدته الترابية خاضعة لمقاربة منفتحة وديموقراطية".

وأضاف الأستاذ المغاري أنه في إطار المنظور الداخلي والوطني، فإن خيار المغرب مدعوم بالانخراط في مسار البناء الديموقراطي، ما يساهم في طابعه اللارجعي مع سيرورة المراجعات الدستورية وسيرورة الإصلاحات القانونية والسياسية التي عرفتها المملكة.

أما فيما يتعلق بالمنظور الخارجي والدولي، فتعتبر المبادرة المغربية، بكل موضوعية، انفتاحا قانونيا وسياسيا يسمح في الوقت ذاته بالأخذ بعين الاعتبار ترسيخ الديموقراطية وحقوق الإنسان في السياق الدولي، وأيضا بالأخذ بعين الاعتبار الإكراهات الإقليمية والمتطلبات الدولية من أجل حل سياسي للنزاع حول الصحراء.

وفي سياق هذه "الوطنية الديموقرطية"، التي سبقت إعداد هذا المشروع، اختار المغرب الانخراط في اللامركزية السياسية، وليس فقط الوظيفية، القائمة على وجود قانون جهوي، مصادق عليه من طرف برلمان جهوي مع كل تبعاته الدستورية والقانونية والسياسية.

وقال "إن هذا الخيار يضع النظام الدستوري المغربي أمام المحك، وخصوصا، نظامه للامركزية، ومن هنا تبرز الضرورة بالنسبة للمغرب من أجل إيجاد توازن بين الأخطار التي قد تنجم عنه والامتيازات التي يمكن أن تستفاد من الحكم الذاتي ذي الطابع السياسي".

وانطلاقا من هذه المسلمات، خلص السيد المغاري إلى أن المبادرة المغربية تنبع من إخضاع المغرب وحدته الترابية لمقاربة ديموقراطية، وأن المملكة تروم إيجاد انسجام بين المتطلبات الديموقرطية الوطنية والإقليمية والدولية المرتبطة بتقرير المصير والتسوية السلمية للنزاعات.

بدوره، تطرق السيد نجيب با محمد، أستاذ القانون بجامعة فاس ونائب رئيس الجمعية المغربية للقانون الدستوري، إلى الاستقبال الذي حظيت به المبادرة المغربية من لدن المجموعة الدولية.

وأشار، في هذا الصدد، إلى أن المخطط المغربي للحكم الذاتي "لم يفتأ يثير اهتماما بالغا لدى المجموعة الدولية"، سواء تعلق الأمر بمجلس الأمن أو بالقوى العالمية العظمى، أو التجمعات الإقليمية كالاتحاد الأوروبي والجامعة العربية، أو أيضا لدى العديد من الدول عبر العالم.

وقال "إن هذا الاستقبال يتضمن الانخراط والدعم والتقدير من طرف مختلف مكونات المجموعة الدولية، ويجسد حدثا لنموذج جديد لمرحلة ما بعد القطبين، ويتعلق الأمر بتقرير المصير الديموقراطي الذي استبدل تدريجيا تقرير المصير-الاستقلال".

ويرى الأستاذ با محمد أن المخطط المغربي "التزام من المملكة المغربية للمساهمة بشكل إيجابي" في المجهودات المبذولة من طرف الأمم المتحدة من أجل تسوية سياسية للنزاع، ويمثل "أرضية لإعادة تثمين المفاوضات كمبدأ عام للقانون من أجل تسوية النزاع".

وذكر الأستاذ الجامعي بوصف مجلس الأمن الدولي للجهود التي يبذلها المغرب ب`"الجدية وذات المصداقية"، مضيفا أنه عبر هذه "الصيغة الدبلوماسية والقانونية الحازمة، أقرت منظمة الأمم المتحدة ضمنيا بالتضحية الكبيرة التي قدمها المغرب من أجل إعادة تشكيل سيادته" من خلال تخويل حكم ذاتي للصحراء.

وأكد الأستاذ با محمد أن "الصحراء تشكل جزء من المغرب، وتظل قضية الصحراء مرحلة أساسية بالنسبة للمغرب نحو استكمال وحدته الترابية، ضمن حدوده التاريخية، في أفق بناء صرح دولة الحق والقانون".

وتمحور النقاش الذي تلا عروض الأساتذة الجامعيين المغاربة حول الإيضاحات التي طلبها مختصون دوليون في مجال القانون الدستوري بشأن، على الخصوص، تسوية تنازع الاختصاصات وتضمين وضع الحكم الذاتي ضمن الدستور المغربي.

يشار إلى أن وفد الجمعية المغربية للقانون الدستوري يقوم بزيارة للمكسيك للمشاركة في الدورة الثامنة للجمعية الدولية للقانون الدستوري.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق