الخميس، 13 يناير 2011

تحليل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية يبرز تقدما في الأقاليم الجنوبية يفوق ما وصلت إليه الجهات الأخرى للمملكة (تقرير اللجنة النيابية لتقصي الحقائق)

الرباط -أكد تقرير اللجنة النيابية لتقصي الحقائق حول أحداث مخيم "اكديم إيزيك" ومدينة العيون أن تحليل تطور المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية يبرز تقدما كبيرا في الأقاليم الجنوبية يفوق في أغلب الحالات ما وصلت إليه الجهات الأخرى للمملكة.
وأوضح التقرير الذي قدمته اللجنة اليوم الاربعاء خلال جلسة عمومية لمجلس النواب بحضور عدد من أعضاء الحكومة، أن مساهمة الأقاليم الجنوبية في الإنتاج الوطني تصل الى حوالي 4 في المائة كما تبلغ نسبة مناصب الشغل المحدثة 6 في المائة من المجموع الوطني ،علما بأن مجمل ساكنة الأقاليم الجنوبية لا تتجاوز 7ر2 في المائة.
مجهود استثماري استثنائي للدولة
وأكد التقرير أن تطور المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية بالأقاليم الجنوبية يرجع الى المجهودات التي بذلت من طرف الدولة في ميدان الاستثمار العمومي والتي تفوق الانجازات التي وصلت اليها الجهات الأخرى للمغرب، إذ من أجل تقوية البنيات التحتية الاقتصادية والاجتماعية لتلك الاقاليم تم تعبئة موارد مالية ضخمة تقدر بمئات الملايير من الدراهم ما بين 1976 و2010.
هكذا فإن معدل الاستثمار العمومي للفرد بهذه الاقاليم يبلغ معدلا سنويا يفوق 12 الف و820 درهم في حين لا يتجاوز هذا المعدل على الصعيد الوطني 5820 درهم، وترتفع الاستثمارات العمومية بمدينة العيون سنة 2010 الى حوالي 3 ملايير درهم أي ما يقارب 22 في المائة من مجموع هذه الاستثمارات داخل الاقاليم الجنوبية.
وأضاف التقرير أن افتحاص المداخيل العادية لميزانية الدولة والحسابات الخصوصية للخزينة والمؤسسات العمومية بين أن الاقاليم الجنوبية تمكن من تحصيل موارد تقدر ب 2ر7 مليار درهم ، ومعدلا سنويا للمداخيل لا يتجاوز 44ر1 مليار درهم وحوالي 34ر1 في المائة من مجموع المداخيل المحصلة على الصعيد الوطني لذلك تسجل نسبة التغطية 15 في المائة فقط داخل الاقاليم الجنوبية مقارنة مع 62 في المائة على الصعيد الوطني.
وأشار التقرير الى أنه نتيجة لهذا المجهود في ميدان الاستثمار العمومي تحسن مؤشر التنمية البشرية بكيفية ملموسة إذ قفز الى 729ر0 أي أعلى مستوى في البلاد إذا استثنينا جهتي الرباط سلا زمور زعير والدار البيضاء الكبرى.
حكامة محلية تشكو من عدة اختلالات
وأكد التقرير من جهة أخرى أنه رغم تلك المجهودات ظل الإدماج الاقتصادي والاجتماعي لساكنة الاقاليم الجنوبية ضعيفا بسبب نمو ديموغرافي سريع نتيجة عوامل جاذبية صنف منها حقيقي يتعلق بحجم الاستثمارات العمومية وصنف مصطنع يتمثل في نظام الامتيازات والذي أصبحت تتحكم في تدبيره سلوكيات الزبونية والولاءات المختلفة، مشيرا الى أنه نتيجة لهذا التزايد ارتفعت ساكنة العيون الى 230 الف نسمة من مجموع ساكنة الجهة الذي يصل الى 314 الف نسمة جلها شباب.
ولاحظ التقرير وجود مفارقة تتمثل في كون أنه على الرغم من تحسن مجمل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية بنسب تفوق المعدل الوطني يبقى المناخ الاجتماعي متوترا، مؤكدا أن هذه المفارقة بين حجم الاستثمارات ومستوى المؤشرات المرتفعين من جهة وتصاعد الاحتجاجات الاجتماعية من جهة أخرى تطرح سؤالي الحكامة المحلية ثم العوامل الذاتية التي تعوق إدماج المواطنين في المسار الاقتصادي.
فبخصوص موضوع الحكامة أكد التقرير أن قراءة أولية لبنية الاستثمارات العمومية تبين هيمنة الموارد الموجهة للبنيات التحتية وضعف الموارد التي تهم البرامج الثقافية والاقتصادية، إذ تفيد مجموع المشاريع الممولة من طرف الدولة أو الوكالة مثلا خلال الفترة الممتدة من 2004 الى 2010 أن 7ر11 مليار درهم من اصل 8ر12 مليار درهم تم اعتمادها في تقوية البنيات التحتية في حين أن دعم الأنشطة المدرة للدخل والمبادرة الخاصة لا يتجاوز مليار درهم واحد.
كما لاحظ أن السياسة الاستثمارية للدولة لم تركز على تدبير مصاحب للموارد البشرية داخل الادارة المحلية يمكن من تثمين استعمال هذه الموارد المالية الضخمة، ذلك أن تسيير المرافق العمومية الاقتصادية والاجتماعية الاساسية داخل مدينة العيون يبقى متواضعا نظرا لضعف بعض الكفاءات وغياب سياسة محفزة لمردودية الموارد البشرية داخل الادارة وهذا الضعف يزيد حدة اذا ما أخذنا بعين الاعتبار تلاقي بعض المصالح الادارية المحلية مع مصالح المنتخبين المحليين والأعيان فتحدث اختلالات تحرف مجموعة من البرامج الاقتصادية والاجتماعية عن اهدافها في خدمة الصالح العام الى اهداف تخدم مصالح خاصة عبر قنوات الزبونية والولاءات.
ومضى التقرير أنه في هذا السياق قد تصبح ميزانيات المجالس المنتخبة وبرامج الانعاش الوطني وبرامج السكن الاجتماعي وسياسة انعاش الاستثمار وبرامج التنمية البشرية ودعم الموارد الغذائية والمحروقات في خدمة مصالح ضيقة للنخب السياسية السائدة.
إن التوزيع غير العادل للمنافع وتخلي الادارة الترابية في الفترة السابقة عن دورها في تدبير العديد من الملفات (توزيع بطاقات الانعاش الوطني التحكم في منح جميعات المجتمع المدني وتوجيه الاستفادة في اطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وتوزيع المواد الغذائية المدعمة) مكن ليس فقط ، يضيف التقرير، من خلق لوبي قوي وضاغط بل وصل تأثيره للعديد من المصالح الخارجية للدولة الشيء الذي خلق جوا من الاحتقان الاجتماعي يغذيه الاحساس بالظلم والتهميش من طرف شرائح عريضة.
وهكذا يسجل التقرير فرغم أهمية حجم ما تم إنجازه من سكن منذ 1976 من طرف الدولة في جهة العيون الساقية الحمراء وادي الذهب اي ما يفوق 44 الف سكن وبقعة ارضية جلها في مدينة العيون (منها 6777 سكن و28500بقعة) كان أول مصدر للاحتجاجات الاجتماعية المسببة لمخيم اكديم ازيك توفير السكن الاجتماعي ويمكن اعتماد نفس الملاحظة في ما يخص الانعاش الوطني الذي جسد كذلك موضع احتجاج رغم ان المستفيدين حاليا يفوق 11 الف مستفيد.
العوامل المعيقة لإدماج المواطنين في مسار تنموي حقيقي
وأكد التقرير من جهة أخرى ان استغلال الامتيازات الممنوحة من طرف الدولة خارج منطق الاستحقاق والشفافية انتج تبعية بعض من النسيج المدني وليس كل المجتمع المدني الى ثقافة الريع والاتكالية التي بدل ان تخدم قضايا محلية ووطنية وساهم في الدفاع عن القضية الوطنية تخدم مصالح بعض النخب السائدة وبالتالي أصبح جزء من النسيج الجمعوي فضاءا متحكما فيه لأغراض لا علاقة لها بالعمل الجمعوي.
ولاحظ أنه من بين الظواهر السلبية التي افرزتها بعض السياسات العمومية وتدبير جانب من مكونات الطبقة السياسة والنخب للشأن المحلي هو بروز ما يمكن تسميته باعتماد ثقافة المنافع الى حد الابتزاز، ابتزاز لم تنج منه الدولة نفسها من خلال تضخيم البعض لهاجس الانفصال والتهويل من امكانياته وقد تمكنت بعض الزعامات من استغلال هذا الهاجس واستعماله كوسيلة للاغتناء واحتلال المناصب والتقرب من مراكز القرار السياسي والاقتصادي في الدولة وفي الاحزاب دون الانخراط بشكل اعمق في الاشكاليات المجتمعية.
ولقد الحقت صناعة النخب على هذا النحو المبنيي على المنافع الشخصية فضلا عن أنها أسلوب غير ناجع في التأطير السياسي ضررا كبيرا بالمشروع الوطني بالنظر الى ما حملته من تناقضات وبالنظر الى تداخل عدة أطراف ومصالح فيها وأتاحت هذه السلوكات لمجموعة من المنتفعين التحول الى زعامات تستقوي بالمكون الاجتماعي الاساسي في الصحراء أي القبيلة التي يفترض فيها كما كانت ان تظل اداة اسناد الوطن فإذا بهؤلاء يحولونها الى أداة للاستقواء على الوطن.
دور الإعلام في بروز وعي سياسي وطني
وفي المجال الإعلامي وبعد أن ثمن التقرير عمل الحكومة للرد على الحملات المستهدفة للوحدة الترابية سجل " ضرورة الاعتراف بقصور إعلامنا بمناسبة هذه الأحداث وغيرها "، مشيرا الى ثلاثة أمثلة لاتبين ما يعتبره اخلالات غير مقبوله أبرزها التعاطي المناسباتي مع الأحداث واجتراره لنفس الخطاب ثم التعاطي من موقع المدافع حيث أثبتت أحداث العيون بأن إعلامنا ليس إعلاما استباقيا.
ولاحظ أنه فيما المغرب حقق مكتسبات هامة في مجال الديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان " ما يزال إعلامنا يجتر الهاجس الأمني الذي تحكم فيه لسنوات عديدة خاصة في ما يرجع الى القضية الوطنية".
أما بخصوص النقطة الثالثة فلخصها التقرير في تغييب النقاش السياسي إذ بقدر ما أن ما تحقق من إنجازات ومكاسب في الاقاليم الجنوبية مبهر واستثنائي بقدر ما أن تثمينه من جانب الإعلام الوطني لم يكن على النحو الذي ينفذ الى عمق الاشياء .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق