الخميس، 29 أكتوبر 2009

المقاوم والأسير عمر مراد يروي يومياته (6): الأسرى المغاربة يمولون بنوك دم البوليساريو


يواصل المقاوم والأسير عمر مراد سرد يومياته، ويتطرق في هذه الحلقة فشل كل المحاولات والإغراءات التي قدمها له قياديو البوليساريو لاستمالته، وانعكاس هذا التشبث بوطنيته على خيانة اليومية بالمعتقلومن أجل استمالتي للانضمام لصفوف البوليساريو يعاملوني معاملة جد خاصة، حيث قدموا لي تغذية خاصة بحراس السجن وكان يسمح لي بالنوم في الغرفة التي بها المستوصف برفقة النقيب عبد الحكيم لكلاوي، إلا أنني رفضت هذه المعاملة التفضيلية وطلبت من سجاني أن أحصل على نفس الوجبة التي تقدم لزملائي ورفاقي في الأسر.وقد كان حدسي في محله، عندما تقدم إلي مسؤول الأمن المدعو الخليل أحمد محمود بدفتر وأقلام، وطلب مني إنجاز تقارير يومية عن حالة الأسرى وما إذا كانوا يخططون للهروب وأمور من هذا القبيل.فما كان مني إلا أن واجهته بحقيقة أنني لن أفيده في هذه المهمة الدنيئة، وأن الأسرى لا حول ولا قوة لهم ويعانون من الأمراض بحيث لا يستطيعون الفرار.طيلة المدة التي قضيتها بهذا المعتقل كنت شاهدا على عمليات التعذيب الممنهج ضد الأسرى، حيث أنه على رأس كل ساعتين يتم دق جرس الإنذار ليصطف الأسرى في صفوف من أجل عدهم، وفي حالة أن غلبك النعاس بسبب الأعمال الشاقة، أو كنت مريضا، فعليك أن تكون مستعدا لدش بالماء البارد وحصة من التعذيب القاسي بدون رحمة هذا في فصل الشتاء .أما في فصل الصيف فيتم ضربك وتبيت ليلتك واقفا بالساحة وعليك أن تلتحق بعملك في الصباح الباكر من اليوم الموالي.وقد شكل الأسرى بنكا مجانيا للدم، حيث يتم نزع ربع ليتر من كل أسير كل ستين يوما، وما زلت أتذكر عندما قلت لأحد مسؤولي الأمن بأن النسب يثبت بالرضاعة فكيف بالدم؟ فما كان منهم إلا أن استدعوني للتحقيق وخاطبني أحد المسؤولين الأمنيين: هــل أنت مجنون تـريد أن تجعلنا والمغاربــة إخوة، ولــولا لطـف الله لكنــت اليوم في عداد الأموات.كما كنت حاضرا لإعدام ستة أسرى وهم: مجيدو محمد (أسير مدني)، محمد بن ادريس (أسير مدني)، خوسي الحسين (أسير مدني)، عمر الدوبلالي (أسير مدني)، العارف أول بيبي محمد، والمراكشي عبد اللطيف جندي، والرقيب الملقب الزبدة من الفوج الرابع للهندسة العسكرية.وأكثر ما حز في نفسي عندما أخبر المرحوم مجيدو محمد بخبر إعدامه، حيث أعطاني قبعته وحذاءه، كما حز في نفسي عندما رأيت مجموعة من الحراس الذين تتجاوز أعمارهم الستين سنة يختصمون حول من سينال شرف إعدامهم.في حين وقفت وقفة إجلال وإكرام لشجاعة المرحوم العارف أول بيبي محمد الذي رفض الشهادة عندما دعاه لها قاتله، إذ كان جوابه أنه لن يتلو الشهادة حتى لا يظن قاتله أنه خائف من الموت.طيلة المدة التي قضيتها بهذا المعتقل إلى حدود شهر أبريل من سنة 1984 أحصيت وفاة ما يقارب 240 أسيرا بين من أعدم ومن وافته المنية بسبب الأمراض والتعذيب وسقوط رمال الآبار عليهم، حيث كانت البوليساريو تستخدم الأسرى من أجل حفر هذه الأخيرة. وخلال هذه الفترة سيتم استقطاب أسيرين عسكريين مغاربة من طرف أجهزة الأمن الخاصة بالبوليساريو، ويتعلق الأمر بالملازم في القوات المساعدة (ب. ص. ع.م) الذي كان يقوم بتحرير تقارير للأسرى تضم سبا للنظام ولسياسته ويقدمه لك من أجل قراءته ليبث في إذاعة البوليساريو، والعريف (م.ع.ق) الذي كانت تتلخص مهمته في التجسس على الأسرى، وتوزيعهم على المهام المنوطة بهم، كما كان يشارك بشكل شخصي في تعذيبهم في الكثير من الأحيان، وقد وصلت به السطوة والحظوة لدى مسؤولي الأمن إلى درجة أن الحراس العاديين من البوليساريو أصبحوا يخافون من وشايته لهم.وبعد أن فقدت قيادة البوليساريو الأمل في انضمامي لصفوفهم، تم نقلي كممرض إلى سجن 12 أكتوبر الرهيب والذي يعتبر أكثر قسوة وفظاعة، حيث وجدت أمامي 32 حالة من الأسرى فقدوا القدرة على السير بسبب التعــــــذيب والأشغال الشاقة والجوع.ويضم هذا السجن والمعروف بـ«سجن الوحدات» من الأسرى المنحدرين من الأقاليم الصحراوية ما عدده 460 أسيرا، وهو عبارة عن مجموعة من العنابر المبنية بالطين، سقفها من القصدير، ومساحة الغرفة لا تتجاوز 25 مترا مربعا ينام بكل غرفة حوالي 50 أسيرا في وضعية الجالس، وتقفل الأبواب في الليل في ظل حرارة الصيف الرهيبة، ومن دون وجود نوافذ للتهوية، ولك أن تتصور أخي القارئ الوضع الذي كنا نعاني منه في ظل هذه الظروف.خلال هذه الفترة زارنا في السجن المذكور شقيق وزير الدفاع لدى جبهة البوليساريو المدعو: عالي ولد مصطفى، وبرفقته كاتب وزير الدفاع المدعو أدا ولد إبراهيم ولد حميم، وقد توسمت فيهم خيرا مما دفعني لأطلب منهم تحسين التغذية وبعض الأدوية من أجل الأسرى الذين كانت وضعيتهم مزرية، بل أكثر من هذا طلبت منهم الأدوية المنتهية صلاحيتها. والحقيقة أن الكثير من الأدوية التي أعطوني ساعدتني في علاج الكثير من الأمراض المستعصية، لأن صلاحيتها لم تكن منتهية، وإنما كانت أدوية مكتوبة بالروسية واللغة الصينية استطعت أن أتعرف عليها من خلال مكوناتها وطعمها ورائحتها. أما بخصوص التغذية، فقد قدموا لنا ما يتبقى من تغذية مدرسة 12 أكتوبر التي تضم التدريب العسكري فضلا عن أطفال المدرسة.وطيلة هذه المدة التي قضيتها بسجن الوحدات كانت مهمتي تتلخص في تقديم العلاج للأسرى المغاربة، كما كنت أقدم العلاج لبعض حراس البوليساريو ولبعض الشيوخ من المواطنين الصحراويين المحتجزين بمخيمات لحمادة بمركز للعجزة قريب من مدرسة 12 أكتوبر، فضلا عن أنني كنت أقوم بحلاقة الحراس، وفي أوقات الفراغ أجبر على صناعة قوالب الطين «البريك».في حين كان رفاقي من الأسرى يعملون في جميع أنواع الأعمال الشاقة من بناء لمؤسسات البوليساريو وتحميل وتفريغ شاحنات المساعدات الغذائية، نقل الحجارة، تقديم العلف لإبل التنظيم، خياطة الملابس العسكرية والمدنية، وغسل وتنظيف ملابس أطر وتلاميذ مدرسة 12 أكتوبر التي تضم ما يناهز 3000 فرد. كل هذا العمل الشاق والمضني كانت تصاحبه من الفينة إلى الأخرى ودون انقطاع ضربات من سياط الحراسة. وفي إحدى ليالي شهر غشت من سنة 1984 تفاجأت باتهامي من طرف مسؤول الأمن المدعو محمد ولد عبد الله ولد سيدي لعبيد والملقب بـ «لحويج» بأني أتوفر على جهاز مذياع أستمع من خلاله لإذاعة العدو، طبعا المقصود بالعدو هنا هو المغرب، وقد قام بتقييد يدي لمدة يومين قضيتها بساحة سجن الوحدات، وطيلة مدة شهرين كان يتلذذ ويتفنن في ضربي وتعذيبي بشتى الطرق التي استطاعت مخيلته أن تبتكرها.ليتم إرسالي بعدها إلى مركز الرابوني حيث سأقضي مدة ثلاثة أشهر مع إخواني الأسرى المغاربة، حيث كانت هذه الأشهر الثلاثة من أقسى الفترات التي قضيناها، تعرضنا خلالها لمجاعة تكاد تكون قاتلة، فضلا عن الأعمال الشاقة.يتبعهذا ما دار بيني وبين الحضرمي..وفي أواخر شهر ديسمبر من نفس السنة، سيتم استدعائي من طرف مدير الأمن آنذاك السيد عمر الحضرمي، حيث استقبلني في مكتبه، وكان الاستقبال هذه المرة مختلفا، حيث دعاني لشرب الشاي، وكان بصحبته نقيب من الجيش الجزائري الذي غادرنا بعد ذلك بقليل، ليطلب مني أن أفكر في نفسي وأن أنضم إلى ثورة شعبي، وأن مكانتي ستكون محفوظة إذا ما أنا قررت الانضمام للبوليساريو، فكان جوابي الرفض بطبيعة الحال.بعد ذلك سينتقل للحديث معي حول الأوضاع بشكل عام في المناطق الصحراوية التي تحت السيادة المغربية. وقد لاحظت من خلال حديثه ونظرات عينيه بأنه ربما أصبح يراجع أفكاره ومسلماته، وأنه يفكر في العودة إلى المغرب. وقد قدمت له صورة مشرقة عن أوضاع الصحراويين بالمغرب، ربما كانت من بين الأسباب التي ساهمت في التحاقه بعد ذلك بأرض الوطن. وبعد انتهاء لقائنا هذا، سيبعث لي بسكرتيره الخاص المدعو «محمد سالم» لمدة ثلاثة أيام متوالية من أجل الحصول على معلومات كافية عن المغرب وبشكل أكثر دقة وتفصيلا، كنت أسجلها له ليلا على دفتر خاص أعطاه لي حتى لا يراه أحد من الحراس الآخرين

هناك تعليق واحد: