الخميس، 22 يوليو 2010

أنصتت «الوطن الآن» إلى نبضهم، مغاربة عائدون إلى الوطن يبحثون عن هوية تاهت بتدوف


إرتفعت في السنوات الأخيرة أفواج العائدين من مخيمات تندوف، خاصة في صفوف الشباب، وهذا مؤشر قوي على أن جبهة البوليساريو تعيش نزيفا داخليا حادا يمكن أن يكون بداية لنهاية تمرد بتندوف عمر سنوات طويلة. فبعد أن كانت «مغامرات» العودة إلى أرض الوطن تقتصر على القيادات والكوادر العسكرية وصناع القرار بجبهة البوليساريو وبعض الحالات، انتقلت هذه «السُنّة» إلى مختلف الشرائح الاجتماعية الصحراوية. لكن أمواج العائدين فتحت الباب لطرح سؤال عريض: ماهي التدابير الجديدة التي ينبغي على المغرب أن يسلكها لمصاحبة هذه العودة المكثفة؟ وهل هناك آليات موضوعة لمواكبة إدماج العائدين في المجتمع بيسر، خاصة وأن هؤلاء شباب ولدوا في تندوف ويحتاجون إلى إعادة توطين وتأهيل اجتماعي وإعداد نفسي للإحساس بمواطنتهم التني تاهت في حرب عقيمة؟ ومزيدا من تسليط الضوء على هذه القضية، استقت «الوطن الآن» آراء بعض المغاربة العائدين إلى مدينة الداخلة عبر المنطقة الحدودية الكركرات، إذ بلغ العدد الإجمالي للعائدين إلى أرض الوطن على مستوى هذه المنطقة الحدودية فقط بـ804 عائدين منذ يناير 2010، علما بأن أعدادا كبيرة تعبر يوميا من الجهة الشمالية الشرقية للحزام الأمني.

عائد ينتظر ترقيم كريم غلاب!

التحق شنان بوحبيني بأرض الوطن رفقة عائلته الصغيرة المتكونة من زوجته وثلاثة أبناء يوم فاتح شتنبر 2009، متحديا حقول الألغام على متن سيارته ذات الدفع الرباعي -التي مازال يتجول بها في مدينة الداخلة بترقيم الجمهورية الصحراوية بسبب بطء الاجراءات الإدارية- وذلك من خلال منطقة أكديم الشحم بالقطاع العسكري الفارسية.
شنان بوحبيني يستقر اليوم بالداخلة وهو صاحب محل لإصلاح الهاتف النقال، ويقوم من وقت لآخر بكراء سيارته للقيام بجولات سياحية للأجانب، وهو من أنصار المثل الصيني « لا تعطني سمكة ولكن علمني كيف أصطاد»، لذا يرى أن العائدين الجدد طاقات ومواهب تحتاج إلى من يصقلها ويرعاها ويأخذ بأيديها إلى بر الأمان.
وحول سؤال لـ«الوطن الآن عن أسباب هذه العودة المكثفة للشباب من مخيمات لحمادة، يرى شنان بوحبيني أنها «تعود إلى جملة من الأسباب بعضها سياسي والآخر مرتبط بالوضع الاقتصادي والاجتماعي بالمخيمات. فالوضع السياسي بهذه الأخيرة يعاني من الاحتقان بسبب انسداد الأفق السياسي وعدم قدرة الشباب على التغيير وخلخلة القيادة الهرمة للبوليساريو. هذه الأخيرة بعد استنفاد سياسة الشبكات واتهام المنافسين والطامحين للوصول للسلطة السياسية بالعمالة تارة للمغرب وتارة أخرى لموريتانيا (شبكة موريتانيا، شبكة تكنة، شبكة أولاد موسى ....) والزج بهم في غياهب السجون، رأت في تسهيل عودة الشباب إلى المغرب وسيلة لتصدير أزمتها، كما أن طول أمد الصراع ووقف إطلاق النار أظهر زيف أطروحة البوليساريو التي أصبحت أصلا تجاريا تغتني من خلاله زمرة من القيادة المتاجرة بمعاناة الصحراويين خدمة لأجندة جزائرية مائة بالمائة. أما العوامل الاقتصادية فتتمثل في تضييق الخناق على التهريب النشاط الرئيسي لسكان المخيمات، فضلا عن الأزمة الاقتصادية العالمية التي تعاني منها إسبانيا التي توجد بها أعداد كبيرة من العمالة الصحراوية التي تتكل على تحويلاتها المالية الكثير من العائلات الصحراوية. كل هذه العوامل مجتمعة ساهمت في هذا النزيف البشري الذي تعاني منه البوليساريو اليوم، والذي يجب أن يتعامل معه المغرب برزانة وتعقل وحلم، ولا شيء أفضل من نهج الرسول عليه أفضل السلام ليقتدى به عندما جاءته قريش يوم فتح مكة فسألهم «ما تظنون أني فاعل بكم اليوم؟» فأجابوه: «أخ كريم وابن أخ كريم» فخاطبهم بسماحة ولطف «اذهبوا فأنتم الطلقاء».

شنان بوحبيني


عائد يقود شركة للغطس

بمبا ولد عمر الشيخ أحد النماذج الناجحة من العائدين الذين استطاعوا الاندماج بسرعة داخل النسيج الاجتماعي والاقتصادي بالداخلة، والذين شقوا طريقهم بعزم وثبات داخل العمل الحر دون انتظار مساعدة الدولة.
بمبا ولد عمر الشيخ سليل أسرة معروفة بالصحراء، عمه بابا ولد عمر الشيخ أحد أعضاء الكورتيس الاسباني إبان الحقبة الاستعمارية، ترك خلفه بالبوليساريو أبناء عمومته ما بين وزير للتعاون وخازن عام للتنظيم وأخ مكلف باللوجيستيك العسكري لهذا الأخير، لكن القناعات هي التي تدفع بالإنسان إلى اختيار هذا السبيل أو ذاك.
بمبا ولد عمر الشيخ العائد لتوه من مخيمات لحمادة بتاريخ 05 شتنبر 2007 هو صاحب شركة للغطس SAHARA PLONGEUR PRO، رئيس لجمعية وادي الذهب لتعليم السباحة والغطس، وهو الآن مدير شركة RIO AGUILA AVENTURE السياحية. يدير مخيما سياحيا بمنطقة تروك، راض على نفسه اليوم وعن خياراته، حيث لم يظل مكتوف اليدين في انتظار منحة للإنعاش الوطني لا تغني ولا تسمن من جوع.
وبخصوص الأسباب التي دفعت هؤلاء الشباب إلى الالتحاق بالمغرب، يرى بمبا ولد عمر الشيخ أن «هذا السؤال لا يخلو من طابع الاستفزاز وليس من العقل والحكمة طرحه، فلا شيء يدعو لأن يسأل المرء عن سبب عودته إلى وطنه. فالقهر السياسي والكذب وطول الانتظار وضيق الأفق كلها عوامل دفعت الشباب إلى الالتحاق إلى أرض الوطن، فكلما طال أمد النزاع اتضحت الرؤية وتأكد للجماهير الشعبية زيف أطروحة القيادة السياسية للبوليساريو التي يبدو أنها تريد أن تجعل من اللجوء القاعدة العامة والعودة إلى أرض الوطن هو الاستثناء لحاجة في نفس يعقوب».
أما عن المشاكل والصعوبات التي تواجه العائدين في الاندماج داخل المغرب، يرى أن «العائدين يشكلون ثروة وقيمة مضافة للمغرب والكثير من مسؤولينا غير واعين بها. فهؤلاء مجموعة من الإطارات و الكوادر المثقفة، يتميزون بقدرة عالية على العمل والإبداع. لكن يبدو أن هناك خللا ما في مكان ما يحول دون تفجير هذه الطاقات الواعدة والإفادة منها في تنمية وبناء الوطن». وفي نفس السياق يقترح السيد بمبا لتجاوز هذه المعوقات «تقديم الدعم المادي والمعنوي للعائد وتشجيعه على المبادرة الحرة والعمل الخلاق من خلال رسم سياسة استراتيجية واضحة المعالم لا تدع مجالا للصدفة والمصادفة تروم الاحتواء الشامل ليس فقط لمجموعة من العائدين لا يتجاوز الألف أو الألفين بل لمخيمات لحمادة ككل، وإلا فإن الوضع العام سيظل مفتوحا على المجهول».

بمبا ولد عمر الشيخ


عائد يعكف على تنظيم ملتقى دولي بالداخلة

يحكي لنا بمبا الحيدب، القيادي السابق بجبهة البوليساريو والعائد سنة 1992 إلى أرض الوطن، أن «أفواج العائدين التي التحقت مؤخرا بأرض الوطن، جاءت تلبية للنداء الملكي السامي الذي أطلقه المغفور له الحسن الثاني. وبالتالي فإن الدولة ملزمة بالتعامل بحكمة وتعقل مع رعاياها مهما كانت قناعاتهم السياسية، وأن هناك جهات تحاول فبركة سيناريوهات لا أساس لها من الصحة. فاليقظة مهمة من جانب الدولة لضمان الأمن والاستقرار لكن التهويل مرفوض. فهؤلاء الشباب الذين هم في أعمار الزهور يجب احتواؤهم برزانة وتعقل كي لا يتركوا لقمة سائغة تلوكها أنياب الشر الجزائري. فكل عائد اليوم للمغرب هو زائد واحد للمغرب ناقص واحد للجزائر وصنيعتها البوليساريو إذا ما تم وضع إستراتيجية محكمة يساهم الرعيل الأول من العائدين في صياغتها. فالثمرة اليوم ناضجة أكثر من أي وقت مضى تحتاج فقط إلى يد فلاح متمرس و صبور لاقتطافها». ويضيف الحيدب مؤكدا أن «المغرب مدعو لتحمل مسؤولية تاريخية نيابة عن دول منطقة شمال إفريقيا لاحتواء هؤلاء الشباب وتجنيبهم مخاطر الوقوع في براثن التطرف والإرهاب وشبكات التهريب الدولي للمخدرات التي أصبحت تعرفها المنطقة العازلة ومنطقة جنوب الجزائر».
يذكر أن بمبا الحيدب اشتغل بعد تخرجه من الكلية العسكرية بكوبا سنة 1986 منسقا عسكريا بالتمثيلية الدبلوماسية للبوليساريو بمدينة وهران الجزائرية، وفي وقت لاحق مكلفا بنفس المهمة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، وفي سنة 1990 منسقا للعلاقات مع المجتمع المدني الاسباني بالتمثيلية السياسية للبوليساريو بمدريد، وهو آخر منصب شغله إلى حين عودته إلى المغرب. وهو يرأس الآن جمعية الجالية المغربية الصحراوية بإسبانيا وشبكة الفضاء الشامل. بمبا الحيدب الذي خبر دروب سياسة البوليساريو يعكف هذه الأيام على التحضير للملتقى العالمي حول قضية الصحراء المغربية ومستقبل الأمن الإقليمي بالمنطقة المتوسطية بمدينة الداخلة المنتظر تنظيمه أيام 26 و27 و28 شهر يوليوز 2010.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق